Tuesday, November 8, 2011

عن اي مقدس تتحدث في قضايانا الترابية؟

أسس الخطاب الملكي للتاسع من مارس لرؤيا المغرب المنشود في المستقبل. مغرب الكرامة و العدالة و المحاسبة والحرية والمسؤولية. ولكن هذا  الخطاب سيضل مجرد ظاهرة صوتية إن لم تكن أهدافنا واضحة وما نعنيه بالثوابت محسوم في أمره. ودعوني أتساءل معكم: ما هو الثابت و المقدس في القضايا الترابية؟
  أتذكر كيف كانت تعرض التلفزة المغربية خلال النشرة الجوية خريطة المغرب العربي بكاملها من ليبيا إلى موريتانيا و ليس فقط خريطة المغرب الأقصى كما هو الحال الآن.  وكنت أضن بسذاجة الصبا أن مساحة المغرب هي التي تظهر على الشاشة.  ولجت المدرسة ليأتيني معلمي بخبر عاجل مفاده أن المغرب يمثل فقط تلك البقعة الأرضية في الشمال الغربي للخريطة و مساحته لا تتعدى 710 ألف كلم مربع  في حين أن المساحات الأخرى هي لبلدان قيل لنا أنها شقيقة. تحول الإحساس بالفخر إلى هزيمة نفسية عميقة لزالت تردداتها تعودني بين الفينة و الأخرى. لقد تم تحطيم تمثل سابق لطالما شكل مصدر عضمة و اعتزاز. ومع مرور السنوات الدراسية وتطور المعارف والنضج النسبي للتفكير النقدي تحولت تلك الهزيمة إلى إحساس بالخزي و الذل بمجرد إدراكي أن حتى تلك الكيلومترات المربعة التي نتشدق بامتلاكها هي إما سليبة أو محط جدال. هذا وما يغيظني هو ما نسمعه في بعض "المهاضرات" عن ضرورة التكتل حول القضية الترابية للمملكة و ترسيخها كمقدسات في نفوسنا و مجتمعاتنا. فعن أي مقدسات نتكلم ؟ و ما معنى المقدس؟
    كمواطن مغربي غيور على وطنه و حريص على ترابه "شبر شبر"، أومن إيمانا راسخا لا يعتريه شك أن الصحراء المغربية هي تابت وطني بالنضر إلى الأطراف المتداخلة و الأهمية الإستراتيجية للمنطقة و الميزانية المهولة المخصصة لها و فوق كل هدا و داك فهي رمز لهيبة و كرامة المملكة داخليا و خارجيا.  غير انه ما يستوقفني هنا هو المشهد الضبابي المتسم بكثرة القضايا الترابية المقدسة بالمغرب تعتبر فيه بعض القضايا أكثر أو أقل قدسية من الأخرى. هكذا يمكن لأي جماعة داخل هدا الوطن أن تصنف أي قضية ترابية حسب مدى قدسيتها و درجة ثقل وزنها الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي على حياة المواطن المغربي العادي. فما القضية الأكثر قداسة: هل الصحراء المغربية ام سبتة و مليلية ام مياهنا الإقليمية ام....؟
    ما يقال عن مساحتنا الترابية يقال مضاعفا عن مساحة مياهنا الإقليمية التي تناهز المليون كلم مربع و لا يخفى على عاقل القيمة التي تحتلها البحار عند الدول التي تقدر هدا المصدر الحيوي و تعمل جاهدة على حسن استغلاله استغلالا يعود بالخير و المنفعة على شعوبها. أما عندنا، فقد تم على غرار ما يقع على التراب تفويتها عبر رخص قانونية وأخرى مشبوهة و ببلادة لأشخاص يعلمون قيمة هده الثروة. و طبعا نصيب المغربي من بحاره الشاسعة حددت في أمتار معدودة يزورها في أوقات معلومة و الحديث هنا عن الشواطئ المغربية التي تحج فقط صيفا و لمن استطاع إليها سبيل. أما معرفة المواطن العادي بثروة بحاره فتقتصر على السردين أما الباقي فيسمع عنه في وثائقيان ناسيونال جيوغرافي.  لأكرر و أعيد ما والمقدس ادن في القضية الترابية؟
    التحدث عن البحار بحمولتها الاقتصادية والسياسية و الروحية يدعونا لاستحضار و بحزن عميق مدينتي سبتة و مليلية المدينتين الساحليتين المتنازل عنهما (و ليس المتنازع عليهما). قيمة هاتين المدينتين لا يمكن أن تقدر بثمن أد مجرد الرؤية إليهما تجعل كل مغربي يذرف دمع الذل و الهوان و الخنوع. فما هو المقدس في القضية الترابية يا ترى؟
     بتعمقنا أكثر في أرشيف المغرب من خلال كتاب "مجمل تاريخ المغرب" لعبد الله العروي نستشف أن المغرب كدولة أخدت في التقلص. إذ منذ 1830 إلى حدود الساعة تقلصت مساحته من 100 إلى 33 ويمكن أن نتتبع بشكل سريع مضمون العديد من المعاهدات التي وقع عليها ملوك المغرب على طول تلك الحقبة و التي تم بموجبها إما التنازل أو التسليم أوالخسران. و نذكر من ضمن تلك المعاهدات: لآلة مغنية 1845، تطاون 1861، فاس 1912، باريس 1956و مدريد 1969 دون ذكر الاتفاقيات السائرة حاليا ليس  لمصلحة الاستعمار السابق فقط بل دخلت دول الخليج على الخط لتاخد نصيبها من الكعكة. فما هو المقدس في القضية الترابية؟
    جولة سريعة في بعض المدن العتيقة كمراكش مثلا تقودنا لاكتشاف أن هناك حملة مسعورة لشراء منازل و رياضات بكل ما تحمله من دلالات تاريخية و ثقافية من قبل أجانب و منضمات لا علاقة لها لا بالاستثمار ولا حتى بالسياحة. فأول تجليات هذه الظاهرة أن تم تشكيل مستوطنات صغيرة في قلب المدن القديمة و بالتالي الشروع في استئصال كل ما يمت لثقافتنا و تاريخنا و ديننا من محيطهم و كانت دعاوى منع أدان الفجر بدعوى إزعاجه الأجانب أول الغيث. رغم أن الظاهرة في مرحلتها الجنينية إلا أنها مثال طبق الأصل لما حصل بالأراضي الفلسطينية. فما هو المقدس في القضية الترابية؟
   لقد أصبح المغرب في إطار سياسة الانفتاح التي يقودها عصبة من الوصوليين الفاسيين ( عفوا الفاشلين) قبلة لمن هب و دب للحصول على تسهيلات و رخص استغلال ثروات هدا البلد. فمن رخص استنزاف البحار المغربية مرورا عبر تفويت استغلال مقالع الرمال و رخص استغلال المياه المعدنية في الجبال و القرى و صول إلى رخص إخلاء مناطق آهلة لتشييد قرى سياحية... و ما خفي كان أعضم.  فما هو المقدس في القضية الترابية؟
   من خلال هده القراءة السريعة يتضح أن مصطلح القدسية لا معنى له في قاموس السياسيين و أصحاب القرار والغاية من إحداثه هو الاستهلاك اليومي و محاولة فاشلة لحقن الشعب المغربي البسيط بطبعه بجرعات من الوطنية. فكيف سيناضل تطواني من أجل ملف الصحراء المغربية وهو يرى خنوع و استسلام دولته أمام ملف سبتة و مليلية؟ كيف سيناضل مسفيوي أو حسيمي من أجل ملف الصحراء المغربية وهو يرى كيف سلمت دولته للأجانب أمر مياههم الإقليمية؟  كيف سيناضل  مواطن من أكادير أو طاطا من أجل ملف الصحراء المغربية و هو يرى دولته ترضخ أمام نزوات المكبوتين الخليجيين و تمنحهم الهكتارات ليعيثوا فيها فسادا؟ كيف و كيف و كيف.....
  

1 comment:

  1. Dear MAHMOUD
    THE ARTICLE CAME AT THE NICK OF TIME. wE DO LOVE OUR LAND FOR FREE BUT THERE ARE SOME WHO DO IN RETURN OF SOMETHING

    ReplyDelete